تائهة
كنت أشعر أنني تائهة، كل الطرق لم تعُد تُناسبُني، ولا أعلم ما هو شعوري، لكني أشعر بأنني بحاجة لحديث طويل، قد يكون بلا معنى أو هدف، لكنه متعب، يرهقني جدًا، وألتزم الصمت، لأن ثقافة الإنصات اندثرت،
الكل يسمع منك فقط ليتحدث عنك في غيابك، وتجد نفسك بطلًا لروايات مجالسهم، يتناقلون سيرتك بشتى أنواع الإضافات الممزوجة بالإفك.
كنت لا أستطيع الإفصاح عمَّا اُعاني، ولا وجعي مع صمتي يزول. أصبح مزاجي متقلبًا، أحيانًا يخونني أسلوب الحديث، فأتحدث بأسلوب سيء دون أن أشعر، وقد أبكي ويبقى السبب مجهولًا.
رواية مخفية بداخلي لا أبوح بها أبدًا. صمتي أيضًا أعتبره نعمة، فهناك محبطين، دائمًا أردد حتى لا ترى الدنيا من ثقب إبرة لا تسلم أذنيك لمحبط.
اعتدت أن تكون لدي مساحة خاصة بي بعيدًا عن كل البشر، أمارس فيها الحديث مع ذاتي بصوت مرتفع وأصيغ حروفًا صامتة تعج بضجيج المشاعر.
مرَّت بي أيام مُرة، كدت ألفظ فيها قلبي من شدة مرارتها، وكنت أبتسم وأعلم انها ستمر، وحتى إن دخلت حلقة العسر فلابد من اليسر، هكذا وعد ربي.
عوَّدت نفسي على الفرحة حتى اعتادت علي، طوَّقت نفسي بالأمل وأدركت أن الفرج من رب رحيم، تعبي ودموعي لن يجديان نفعًا، كنت أنظر للنعم التي رزقني الله بها وأبتسم. أنا أتحدث، هناك من لا يستطيع، أنا أتحرك هناك المقعدين، أنا أرى وهناك الضرير، لايوجد ما هو ظاهري على جسدي، فإنا كما أنا في أحسن تقويم. فاللهم لك الحمد حتى ترضى.
تدهشني رحمة ربي بي، كلما ضعفت يرسل لي الرضا والسعادة، وأرى كل ما بداخلي يتصور أمامي في الطبيعة والهواء والسماء، أحلق في السماء وأفرد جناحاي تبخترًا، فأنا في جهاد وذنبي يغفر بإذن الله، أشفق على الأصحاء فهم لا يشعرون بلذة يوم خال من الألم. تتوالى أيامهم بلا لذة، أنا أشعر بلذة العافية، أبتسم من أعماقي، أشعر بأنني ملكت كل سعادة العالمين، في يوم أو حتى ساعات خالية من الوجع، أحلم، وأفرح وأرقص مثل طفل “لم يختبر تعاسة العالم بعد”، وأكون سعيدة ولا أفكر فيما سيحدث بعد ذلك.
لا أعلم كيف سأنتصر، ولكن أعلم أنني لن أخسر ما دمت أثق برب رحيم، يومًا ماسأنتصر على ما كنتم ترونه صعبًا، سأتخطى كل العقبات، سأفتخر بنفسي وقدرتي على هزيمة السرطان في معركة ضارية كدت أسقط فيها مرارًا ولكنني أرتفع مرة أخرى، وأجاهد بكل ما أوتيت من رضا، حينها سأكتفي بالتبسُم في وجه كل من قال لي أنت مريضة وأيامك معدودة، لم أشعر يومًا بأنني مريضة جسديًا، بقدر ما شعرت بمرض أذهانهم، وتوقف إدراكهم، وعقم عقولهم.
عاهدت نفسي أن أظل قوية، وسندًا لكل من يحتاجني، سأقدم وأبذل ما دمت أستطيع. سأظل كما أنا رائعة دومًا قلبًا وقالبًا، وأعدكم أن إصابتي لن تعيق لأناقتي، ولنفسي أقول: سأبقي كما لأنا بجنوني بعفويتي بمرحي، قوية استثنائية لا أشبه أحدًا.
ريم العنزي