فلسفة الأدب وأدب الفلسفة..

الربط بين الفلسفة والأدب وما أثر كل منهما على الآخر ..

في البدء
نتعرف على الأدب ثم نُعرف الفلسفة

*الأدب*..

الأدب هو ماتوارثه الناس من مكتوبٍ
ومحفوظ ومسموع
من حكايا وسير أدبية و ذاتية أو شعر، أو نثر ..
وكما قيل في محاسن الأدب
لابن رشيق القيرواني
كتب العرب الشعــر فاضاعوا عشره
وكتبوا النثر فاحتفظوا بعشره
فالأدب هو مادون في الكتب بما يخص اللغة وفنونها
ومايخص
الأثر الإنساني في حضارته وثقاته
والأدب مبني
على أسس وأصول وقواعد لكل جنس أدبي

*الفلسفة* ..

وحين نُعرف الفلسفة
نقول هي :
ما أتفق عليه علماء التفكير
والمنطق
وقالوا في علم الفلسفة هي فن السؤال
وقيل إعطاء الأسباب المنطقية
التي تراها العين أو
يفكر بها العقل حتى يصل لنتيجة
ما ،
فما بين الفلسفة والأدب
روابط لابد أن تقوم على أصول
وأسس صحيحة حتى نخرج بمحصلة
جيدة .
نضرب مثالا على الربط بين الفلسفة
والأدب

لو نظرنا للأدب الغربي
ذلك الأدب الذي
أرتكز على ربط الفلسفة بالادب

ومن الأمثلة على ربط الفلسفة بالادب
انتظار مالاينتظر
للكاتب الإرلندي
صمويل بيكيت الذي
أتخذ من الفلسفة
العبثية مدرسة خاصة به
وبدا بكتابة
أدبه على هذا النسق
ومما كتبه صمويل بيكيت
في أطروحاته الأدبية التي
وصلت إلينا كقراء
مسرحية في انتظار غودو

وهي مسرحية يربط فيها الكاتب فلسفة
العبث أو فلسفة اللا شيء في النهاية
فلسفة الأشياء التي لا جدوى من حدوثها
حتى لو حدثت ولا جدوى من انتظارها
حتى لو انتظرتها وأتت
وكان مثار العنوان لهذه المسرحية هو عقيدة متداولة
ومقسومة على ثلاثة أديان
فاليهودية والنصرانية والإسلام
أتفقوا جميعا في
عقائدهم على وجود رجل اسمه المهدي المنتظر
يأتي في آخر الزمان
حتى ينصف قومه على الأقوام الأخرى
وفكرته تتلخص في وجود المخلص
فما الجدوى من وجود
شخص مخلص
هل إذا عاد سيصنع دينا جديدا
أو يصنع قيما جديدة لدى الإنسانية
أم هل سيصنع شيئا يحاول من خلاله أن يضيف شيئا للحياة التي تبدو من ملامحها
متشابهة بكل مافيها
بين الشعوب والمناطق الكثيرة فلا مكان إلا وبه حرب ما
سواء حرب فكرية
أو حرب عقائدية أو حرب طائفية
ففكرة المخلص التي طرحها هذا الرجل في مسرحية قودو
يعتمد فيها بكل ثقله
على الفلسفة العبثية التي تشكك بحدوث الأشياء التي ستحدث
حيث نرى مسرحيته في أربعة أجزاء
كل جزء منها تحدث عن مشهد من مشاهد الحياة
أول مشهد كان
بحكمة أتخذها من الفيلسوف الروماني إميل سيوران
حين قال الإنسان لطالما يشكو من الحذاء والعلة في قدمه
فالإنسانية جمعاء تحاول أن تجد لنفسها مهربا من كل شيء حولها قد
يؤثر على مناحيها الحياتية
لكنهم يتخذون دائما ذريعة الأشياء التي
تؤثر عليهم سلبا
فكلما حدث لهم شيء ألقوه على شماعة
شيء آخر لا علاقة له بالموضوع تماما
ولهذا يحكى أن رجلا يمشي وهو يعرج
وصادف بطريقة سبعة أطباء أحدهم قال: هذا الرجل يعاني من الغضروف
وآخر قال قال بل الأربطة
حتى كاد السابع أن يدلي بدلوه و يعطي رأيا آخرا
مغائرا ومختلفا عن بقية زملائه
فلما وصل إليهم سألوه
وقالوا: مالك تعرج هكذا
قال: في حذائي حصوة صغيرة علي أن أزيلها حتى أتابع السير جيدا .
وهذا ما اعتمد عليه صمويل بيكيت
في تحليل نظرية العبث في الفلسفة
واستخدمها وأوغل في
معظم ماكتبه من الأدب
وهناك سؤال يحيط به المبهم
ما الذي صنعته الفلسفة للأدب ؟
فيقال بأنها أتت بافكار جديدة
يستطيع الكاتب من خلالها أن يصنع الحبك الجديدة وأن يقدم النصوص
على نهج تفكير مختلف
وعلى خيال مختلف تماما عن المعتاد
وهذا مانراه بالطبع في الأدب الجيد
فإذا لم نجد الفلسفة في أي
نص نجد السطحية التامة تخيم فـوق
سفوح هذا النص .
لذلك نحاول دائما ونحن نقرأ لكاتب ما
أن نجد الروح أو الرمزية داخل هذا النص
أو الفكرة الرئيسية التي حاول أن يقدمها
هذا الكاتب أو هذاك .
لذلك للفلسفة
داخل النص جمال مختلف
ولايمكن أن تنفصل عن ذلك الأدب

وبالمقابل
ماذا تستفيد الفلسفة من الأدب ؟
ويقال أيضا
أن الأدب هو لغة الحوار التي يستطيع
من خلالها الكاتب
أن ينقل أفكار الناس بالطريقة التي يحبونها
..

فمسرحية بحجم غودو
على سبيل المثال لو لم توجد هذه الفلسفة ولولا كل هذه الجماليات في الصور ، والأبعاد ، والتعبير لما كان هناك
قراء أو محاولون لقراءة فلسفة العبث
فالأدب كما ساعد الفلسفة على النشو
كذلك الفلسفة ساعدت الأدب
على النشو
وهذا مايجعلنا نربط بينهما
من خلال التبادلية
فهما يحملان على عاتقيهما
مهمة الأخذ والعطاء ..

ولو ذهبنا للنبش في مجاهل التاريخ
لوجدنا قدامى الأدباء
وقدامى الفلاسفة
فربما كان الجيل الأول
ارسطو وسقراط وأفلاطون
هذا الثالوث الذي أسس علم الفلسفة
ومن المثقفين والأدباء
جلجامش البابلي وهو. اول من دون الملاحم
وكذلك اليوناني فيرجل
وهو كذلك
معروف لدى قراء الميثولوجيا
والأساطير القديمة
وهوميروس صاحب الإلياذة
والذي كتب عن الملحمة الطروادية
في القرن التاسع قبل الميلاد
والذي صنع بعض الأسماء
للألهة

لذلك هناك علاقة وطيدة متأصلة
بين الأدب والفلسفة

وقد تم مهاجمة الفلاسفة على مر العصور
من قبل الكنيسة
أو رجال الدين

وكذلك في العصر الإسلامي فالفرق التي
اعتزلت قد هوجمت من قبل الجماعات الإسلامية
والذين اعتزلوا وتحاكموا للمصحف الشريف
وسميو بالمعتزلة
ومن بينهم اسماء لامعة
في التاريخ الإنساني
مثل ابن سيناء والرازي والخوارزمي
هؤلاء هم من صنعوا المجد للأمة من خلال العلم والمعرفة
لكنهم في عصرهم اتهموا بالزندقة
و بالكفر و بالاعتزال للمذاهب الإسلامية
ثم عدنا للأعتراف بهم كمؤسسين
للعلوم الإنسانية

ولولا علم الفلسفة ما حاور الإنسان الظل
ولما تفكر في الأشياء ..!

*مطلق المرزوقي*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.